العصا أداة أساسية للمسافر في الهواء الطلق منذ آلاف السنين، فهي وسيلة لدعم القدمين والساقين من التعب أو الانزلاق وتأمين التوازن. ودعم الأحمال والدفاع عن النفس، ولقرون طويلة استخدمت العصا لمئات الأغراض. وللعصا دور كبير في حياة الناس عبر التاريخ وفي جميع الثقافات والحضارات، وقد وجدت العصا في النقوش الهيروغليفيه للمسافرين. فالهنود الحمر استخدموا العصا وابدعوا في تزيينها واعتبروها رمز للسلطة والقوة، وبقيت العصا إلى عصرنا الحاضر في يد الهنود الحمر يستخدمونها في إحياء ذكرا الانتصارات العسكرية.. والرجل الأسود في أفريقيا لم يستغني أبدا عن العصا ولازالت محل افتخار ووجاهة بالنسبة له. وفي الحضارة الصينية بقيت العصا مصدرا للقوة وسلاحا يتدرب عليه الناس منذ طفولتهم لاستخدامها في فنون القتال الشرقية. ومن الناحية الدينية ورد ذكر العصا في الكتب السماوية كما عند المسيحيين واليهود والمسلمين، وقد اهتم العرب كثيرا بالعصا، لا سيما أنها وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية. قال تعالى: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا موسى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) طه17.
فوائد العصا عند السلف:
قال الإمام القرطبي - رحمه الله تعالى - في تفسيره الجامع لأحكام القرآن(11/187-189):(تعرض قوم لتعديد منافع العصا منهم ابن عباس رضي الله عنهما قال: - إذا انتهيت إلى رأس بئر فقصر الرشا وصلته بالعصا. - وإذا أصابني حر الشمس غرزتها في الأرض وألقيت عليها ما يظلني. - وإذا خفت شيئا من هوام الأرض قتلته بها. - وإذا مشيت ألقيتها على عاتقي وعلقت عليها القوس والكنانة والمخلاة. - وأقاتل بها السباع عن الغنم. وروى عنه ميمون بن مهران قال: إمساك العصا سنة للأنبياء، وعلامة للمؤمن. وقال الحسن البصري: فيها ست خصال: - سنة للأنبياء. - وزينة الصلحاء. - وسلاح على الأعداء. - وعون للضعفاء. - وغم المنافقين. - وزيادة في الطاعات. ويقال: إذا كان مع المؤمن العصا: - يهرب منه الشيطان. - ويخشع منه المنافق والفاجر. - وتكون قبلته إذا صلى. - وقوة إذا أعيا. ولقي الحجاج أعرابيا فقال: من أين أقبلت يا اعرابي؟ قال: من البادية. قال: وما في يدك؟ قال: عصاي: أركزها لصلاتي، وأعدها لعداتي، وأسوق بها دابتي، وأقوى بها على سفري، وأعتمد بها في مشيتي لتتسع خطوتي، وأثب بها النهر، وتؤمنني من العثر، وألقي عليها كسائي فيقيني الحر، ويدفئني من القر، وتدني إلي ما بعد مني، وهي محمل سفرتي، وعلاقة أداوتي، أعصي بها عند الضراب، وأقرع بها الأبواب، وأتقي بها عقور الكلاب؛ وتنوب عن الرمح في الطعان؛ وعن السيف عند منازلة الأقران؛ ورثتها عن أبي، وأورثها بعدي ابني، وأهش بها على غنمي، ولي فيها مآرب أخرى، كثيرة لا تحصى. والإجماع منعقد على أن الخطيب يخطب متوكئا على سيف أو عصا، فالعصا مأخوذة من أصل كريم، ومعدن شريف، ولا ينكرها إلا جاهل. وقد جمع الله لموسى في عصاه من البراهين العظام، والآيات الجسام، ما آمن به السحرة المعاندون. واتخذها سليمان لخطبته وموعظته وطول صلاته. وكان ابن مسعود صاحب عصا النبي صلى الله عليه وسلم وعنزته؛ وكان يخطب بالقضيب - وكفى بذلك فضلا على شرف حال العصا - وعلى ذلك الخلفاء وكبراء الخطباء، وعادة العرب العرباء، الفصحاء اللسن البلغاء أخذ المخصرة والعصا والاعتماد عليها عند الكلام، وفي المحافل والخطب.
عصا الكشاف:
والكشاف في وقتنا الحاضر يستفيد من العصا في كل ما ذكر أعلاه، كما يستخدمها في مئات الأشياء الأخرى التي يصعب حصرها. فعصا الكشاف من التقاليد الكشفية التي لا يمكن الاستغناء عنها سواء كان ذلك للحاجة الفعلية إليها اثناء الرحلات والمخيمات والمناشط الكشفية الأخرى، أو لأنها من التراث الكشفي والعربي الذي ينبغي التمسك والاعتزاز به، ومن يطلع على الصور التاريخية للحركة الكشفية منذ بدايتها يلاحظ أن مؤسس الحركة كان يظهر في كثير من الصور وهو يمسك العصا الكشفية، كما أننا نجد العصا في الكثير من الرسومات الكشفية التي كان يضعها في مذكراته ومؤلفاته. إضافة إلى أن الكثير من الصور التاريخية توضح اصطحاب الكشافة للعصا الكشفية في المخيمات والعروض الكشفية وكذلك أثناء أداء التحية الكشفية كما هو معروف حسب التقاليد الكشفية.
مقاس ومواصفات العصا الكشفية:
يعتمد طول العصا على طول ووزن الكشاف الذي سيستخدمها، فمن المستحسن اختيار العصا التي تجلب الراحة للكشاف وتساعده على المشي بيسر وسهولة ولا تكون عائقا له بسبب قصرها أو طولها أو سماكتها. وفي الغالب يستحسن أن لا تكون أقصر من مستوى الخصر، ولا أطول من مستوى ذقن الكشاف، ويكون الطول في المتوسط متر ونصف تقريبا. وينبغي أن يتم اختيار نوع الخشب الذي تصنع منه العصا بعناية، وبالطبع يعتمد ذلك على المنطقة التي يعيش فيها الكشاف، فينبغي اختيار العصا الكشفية من أقوى انواع الخشب الموجودة المتوفرة. ولا يشترط في عصا الكشاف نوع معين كما يشاع عن شجر الزيتون. ومن المعروف أن أقوى وأفضل أنواع العصي يتم استخراجها في المنطقة العربية من أشجار الزيتون البري (العتم), كما قد تكون من القصب أو الخيزران أو خشب الأبنوس . ويراعى في اختيار العصا أن لا تكون من خشب لين سهل الإنحناء ولا ذو سمك ضعيف يسهل كسره أو سمك كبير يصعب مسكه. ومن المهم أن تكون قاعدة العصا قوية جدا لأن الحمل الأكبر والضغط سيكون عليها، وكذلك تكون مستقيمة قدر المستطاع بحيث لا تكون الانحناءات فيها كبيرة وتؤثر على الاستخدام السليم لها.
كيف نحصل على العصا الكشفية:
يمكن للكشاف الحصول على العصا الكشفية بطريقتين: الأولى: أن يصنع الكشاف العصا بنفسه بقطعها من جذوع الأشجار المناسبة، وهذا هو الأفضل. الثانية: أن يشتريها من المحلات التجارية المختصة في بيع الأدوات الكشفية والرحلات والمغامرات.
كيف نصنع العصا الكشفية:
إذا وجدت الشجرة المناسبة التي ستصنع منها العصا الكشفية فعليك بالخطوات التالية: 1-اختيار الجذع المناسب في طوله وسمكه وقطعه باستخدام البلطة (الكشاف لا يقطع الجذوع الخضراء). 2-استخدم المطواة لتنظيف الجذع من الأوراق والفروع الصغيرة. 3-قد تضطر لإزالة اللحاء من الجذع (حسب نوع الشجرة) وفي الغالب يستحسن على الأقل إزالة اللحاء في الطرف العلوي من العصا لسلامة يدك وليونة الملمس، ويمكن تكرار ذلك في اسفل العصا لتعرضها للصدمات الكثيرة. 4-من المستحسن وجود انحناء بسيط وسماكة في رأس العصا لتساعدك على مسكها ومنع انزلاقها من يديك (كن حذر اثناء عمل هذه الخطوة). 5-للمحافظة على قوة العصا يمكنك اجراء بعض الخطوات كتنقيعها في الماء أو طلاءها بمادة حافظة، كما يمكن تعريضها للنار لتسويتها، وذلك حسب نوع الخشب المستخدم. 6-ابدأ بتزيين العصا، وإضفاء لمساتك الفنية عليها وترك علامة يمكن من خلالها التعرف عليها ومن ذلك: - لف أجزاء من العصا بحبال ملونة، أو الجلد، أو القماش، - علق واربط الريش والخرز، في الأجزاء العلوية من العصا. - انقش رسومات ذات دلالة كشفية أو شخصية . - اكتب اسمك بواسطة الحرق أو الحفر على العصا، وكذلك تاريخ هذا اليوم .. وسيكون له ذكرى ثمينة في حياتك الكشفية, - أضف حبل من الجلد في اعلى العصا يساعد في مسكها أو تعليقها وربما لاستخدامات أخرى ايضا. - طلاء جزء منها بلون فاقع وربما كان ذلك مناسبا للسلامة اثناء السير ليلا.
7- يمكنك أيضا إضافة ابتكارات على العصا تساعدك على الاستخدام الأمثل لها وتساعدك على البقاء مثل: - إضافة ثقب فيها للنظر إلى الأشياء البعيدة بوضوح ودقة وتقدير المسافات. - تخطيط العصاء بالسنتيمتر مثلا لاستخدامها في قياس الأشياء. - وضع بوصلة صغيرة في رأس العصا. - إضافة مصباح ضوئي من النوع الصغير الذي تستخدم فيه بطاريات الساعات. - لف حبل على جزء من العصا، يمكنك فكه والاستفادة منه وقت الحاجة. - لف خيط صيد السمك مع الخطاف على جزء من العصا، ويمكن جعل الخطاف أسفل الخيط، أو تغطيته بحيث لا يعرضك أو غيرك للخطر. - يمكنك حفر الجزء العلوي من العصاء ووضع بداخله كيس صغير يحتوي على بعض الأشياء الهامة كالتي توضع في السكاكين العسكرية ، مثل أعواد الثقاب، وابرة الخياطة، وقلم صغير، ..الخ.
العصي الكشفية التجارية:
إذا عجزت عن صناعة العصا الكشفية بنفسك يمكنك الحصول عليها من المتاجر الكشفية أو الرياضية أو تلك المحلات التي تهتم بتوفير أدوات الرحلات والتخييم، أوالمشاتل الزراعية، كما توجد في الأسواق عصي حديثة فيها مميزات مناسبة للكشافة كالإضاءة المتحركة والقدرة على امتصاص الصدمات، وتغيير القاعدة حسب الأرض التي تسير فيها. مع التحكم في طولها اثناء المشي، كما يمكن تصغير طولها بحيث تكون صالحة لوضعها في الحقيبة أثناء السفر، وتستطيع الاستفادة من الخطوط المرسومة عليها لتقدير وقياس المسافات، إضافة للعديد من المزايا والخدمات الأخرى. وتأتي هذه العصا بالوان متعددة أيضا. وقيمتها لا تتجاوز 100 ريال سعودي. كما يوجد نوع أخر توجد به سكين حديدية طويلة يمكن استخدامها كسلاح عند الحاجة.وبالذهاب إلى محلات النجارة تستطيع صنع العصا المناسبة وبالحجم والمقاس الذي تريد. قد تستطيع بسهولة امتلاك عصا كشفية من المحلات التجارية، لكنك ستفقد بذلك العلاقة المتينة والروحية الثمينة التي يمكن الشعور بها من العصا الني تصنعها بيديك، وتنقش عليها تاريخ أجمل ذكريات حياتك..
فوائد عصا الكشاف في الحياة الكشفية:
ذكرنا سابقا عددا من فوائد العصا المذكورة في الكتب السماوية والتراث العربي والإسلامي، ولا شك أن هذه الفوائد تنطبق ايضا على استخدامات الكشاف، ويضاف إليها العديد من الفوائد التي يصعب حصرها، إلا أننا سنذكر هنا على سبيل المثال نماذج لبعض فوائد العصاحسب المجال: - الرحلات: المساعدة في المشي والإتكاء، وتفحص وتحريك الجذوع والمخلفات، وإشارة استغاثة.ويمكن استخدامها للمشي على الجليد، أو دفع القارب في البحيرات ومياه الأنهار. - القياس: قياس الارتفاعات والأعماق والمسافات بالطرق المعروفة كشفيا. - الطهي: تعليق الأواني مثل نار الصياد، أو تحريك الإناء وحمله من فوق النار، أو صنع حامل ثلاثي. - الصيد: يمكن استخدام العصا في الصيد البري كرمح أو قوس،وفي الصيد البحري أيضا كرمح أو بتعليق خيط صيد السمك في طرفها. - النماذج: لصنع العديد من الأعمال الريادية بجمع عصي بقية الأعضاء في المخيم، أو بعصا واحدة كرفع العلم، أو مأوى، أو منشر غسيل. - الرياضة والمساعدة: القفز فوق الأشياء، أو سحب شخص بعيد، أو رفع الأشخاص أو الأشياء، وكذلك الوصول للأشياء العالية. - حمل الأدوات: كوضعها بالطريقة المعروفة على الكتف، أو لحمل الأشياء الثقيلة بواسطة شخصين من الطرفين. - الإسعاف: استخدامها كعكاز للمريض المصاب، أو صنع نقالة مع عصا أخرى، أو كسرها حسب الطول المطلوب لصنع جبيرة مؤقتة. الألعاب: كرسم وتخطيط الملاعب وحدودها، وبعضالألعاب مثل القفز فوقها مع تغيير الارتفاع كل مرة، وتثبيتها وإسقاط الأطواق فيها، أو تثبيت الطوق ورمي العصا للمرور خلاله.